عودته على الإعجاب بنفسه.. أعطيته كل ما أملك.. لم أرفض له طلبًا قط..
أبعدت عنه كل العقبات..
أصبح الغضب رفيقه.. والتسلّط حليفه.. والتحايل لعبته.. والتعاسة نتيجته..
هكذا كانت بدايته.. وهكذا هي نهايته..
أهلًا بك في بيتنا التعيس.. بيتُ من بيوت الكثير..
يقول الإمام الباقر عليه السلام: "شرّ الآباء من دَعاه البرّ الى الإفراط، وشرّ الأبناء من دَعاه التقصيرُ إلى العُقوق"
في مدينة آنسي الفرنسية، كان هناك بيتان متجاوران يفصل بينهما حائط مشترك. الأول لشاب موظف في بنك والثاني لرجل مُسن متقاعد. كلاهما يزرعان شتلات جميلة متجانسة مطلة على جدار كل منهما.
أول ما يفعله الرجل الشاب عندما يبدأ يومه هو رعاية هذه الشتلة رعاية شديدة ويسقيها بالماء المنقى ويزودها بسماد حديث وفيتامينات عالية الجودة، بينما يبدأ الرجل المُسن صباحه بسقي شتلته بكمية بسيطة من الماء ويزودها بسماد حضيرته البسيطة. بسبب الرعاية الكثيرة، أصبحت شتلة الشاب خضراء باهية تسر الناظرين، بينما لاتزال شتلة الرجل المُسن تناضل للبقاء حين تراها ولكنها لازالت جميلة.
في ليلة من الليالي الماطرة، هطلت أمطار غزيرة على تلك مدينة مصحوبة برياح شبه عاصفة. حينما بزغ الفجر، ذهب كل من الرجل الشاب والرجل المُسن، لرؤية مصير شتلاتهما بعد هذه الليلة القاسية. فوجئ الرجل الشاب بأن شتلته الخضراء الباهية أصبحت بلا قوام وكأن الأرض بصقتها بينما كانت شتلة المُسن صامدة بلا أي خراب.
توجه الشاب إلى جاره المُسن مندهشًا وقال له: "كيف لشتلتي أن تُبزَق رغم أنني أعتني بها بإفراط، بينما شتلتك المسكينة لازالت على قوامها رغم بساطتك في الاهتمام لها!؟"
قال الرجل المُسن: "كنت دائمًا أتعجب حين أرى مدى إفراطك في الاعتناء بهذه الشتلة، وكيف أنك ترويها بماء عذب منقى وسماد غالي السعر وفيتامينات عالية الجودة. كنت أرى بأنك أعطيتها بجزالة كل ما تتمناه لدرجة أنها لم تكن لتبحث على ما تحتاجه أبدًا، ولم تكن هنالك فرصة لجذورها أن تتفرع في قاع الأرض لتبحث عن ما تحتاج. في الوقت ذاته، كنت أنا وفي الجهة المقابلة، أعتني بشتلتي بحذر وأرويها الماء القليل لهدف البقاء لا أكثر. ولذلك، لم تكن للجذور أي خيار آخر سوى البحث داخل قاع الأرض للحصول على ما يبقيها قوية صامدة. ولهذا السبب، شتلتك لم تقاوم الرياح وأحوال الطبيعة.
بهذه القصة البسيطة، نرى بأن حياتنا مشابهة جدًا لحال هذه الشتلات، وخصوصًا في بيوتنا وعند تربيتنا لأولادنا. في بعض الأحيان، نعمل جاهدين لنربي أبنائنا بشكل متكامل وبحماية مفرطة لدرجة أن التدليل يطغى على هذه التربية ولا نعطيهم المساحة الكافية والوسيلة الحقيقية والفرص المتوفرة لتحمل المسؤولية. وكذلك هو الحال حين لا نهتم بهم ولا نفكر بشأنهم، سوف ينتهي مطافهم بسبب قلة النضج والإرشاد.
ما يجب أن نفهمه بأن الاهتمام لأولادنا يجب أن يكون نفسه حين نهتم بشتلاتنا وبأخذ قصة الرجل المُسن بعين الاعتبار.
المبالغة في الشيء، إما أن يقتله، أو يجعله ضعيفًا..
يكمن السر هنا في مدى إلمامنا وإتقاننا بـ "فن التوازن".
تحياتي٬٬
أسامة السيفي
سناب، إنستا، تويتر: UsamaSaifi
Kommentare