كانت فظّة غلظة..
صرخت في وجه أبي بعالي سماها.. واستمرت في الصراخ..
صدمني الموقف.. جرحني هذا الصوت..
لم أعتد على رؤيتها قاسية..
أهكذا أصبحت أمي بعد غيابي الطويل!؟
لماذايا تُرى!؟ ما قد تكون نواياها!؟
أمي.. لقد حكمتُ عليها وظلمتها، فحدثتني وعذرتها..
يشرفني زيارتكم لصفحاتي المتواضعة وهذه المدونة التي كتبتها تزامنًا مع يوم الأم العالمي.. يومكِ يا أمي ليس يوم.. يومكِ هو كل يوم..
لنتطرق قليلًا على أحد القصص المُلهمة التي ألقاها الراهب الديني "برابهو غور جوبال"، المتحدث العام للجمعية الدولية للوعي كريشنا في مومباي عند عرضه لأحد المحاضرات التحفيزية. قصة حدثت قبل ٢٣ سنة عام تقريبًا، حين ذهب لزيارة أبويه بعد غيابه عنهم للالتحاق بتحديه الوظيفي الجديد والانضمام إلى الدير.
حين وصل إلى بيت أبويه، وجد أبوه في غرفة الجلوس يشاهد أحد البرامج الوثائقية بينما كانت أمه في المطبخ تعد لهم وجبة الغداء. سلّم على أباه وتحدث معه قليلًا. شعر باشتياق كثير لأمه في تلك اللحظة ولم يعد يقوي على الصبر طويلًا وذهب إليها إلى المطبخ، يقول في جعبته: "كم هو كبيرٌ حُضنكِ يا أمي!"
وهو في المطبخ، سمع نداء أباه ينادي باسم أمه يطلب منها أن تحضر له كوبًا من الماء. فوجئ الراهب الصغير بردةِ فعل أمه حين صرخت له لتطلب منه أن يحضر الماء لنفسه. كان أباه في حالة تردد من أمره، وطلب منها مجددًا أن تجلب له الماء وهالت بالصراخ مجددًا لتقول له بأن يقوم من مكانه، ويسعى لخدمة نفسه.
لم يقتنع بتاتًا بما يحدث، وبادر الراهب شخصيًا لجلب الماء لأبيه، ولكن... أوقفته أمه وقالت: "دعه.. يجب عليه أن يقوم بنفسه ويعتمد على نفسه". وفي النهاية، قام الأب ليجلب الماء لنفسه.
يقول الراهب: "ياله من موقف لم أتمنى في حياتي أن أراه.. أهكذا هي أمي!؟ كيف لها أن تصبح بلا إحساس بعد كل هذه السنين!؟ كوب ماء!؟ هل كان من الصعب حمله!؟ قد يكون هناك شيء لا يعلمه..".
حان وقت الغداء الذي لم يكن كما تخيله، غداء بطعم السكون ولذة القساوة.. غداء كان يحسبه راحة بعد رحلته الطويلة المتعبة.. لم يعد قادرًا على الانتظار وبعدما قام أباه من السفرة، طلب من أمه أن توضّح سبب ما فعلته، ولماذا كانت قاسية بعض الشي مع أبوه.
لم تستطع تحمل الموقف وبدأت الأم بالبكاء الشديد.. وتحدثت بهدوء: "يا بني.. ليس من الصعب لي أن أحمل كوبًا من الماء وقد حملت أطنان من العناء طول هذه السنين وحملتك أنت كذلك. لكنك تعلم جيدًا بأن أبوك يعاني من مرض "الباركنسون"، وهو مرض اضطرابًا يحدث تدريجيًا في الجهاز العصبي ويؤثر على الحركة. وقد نصح الطبيب أنه من الأفضل أن يفعل أعماله المنزلية كانت أو الخارجية بنفسه ليحافظ على صحته، لأنه حين يبدأ بالكسل، سوف يكون مصيره الأكيد أن يكون طريحًا للفراش مع بعض الاضطرابات الصحية."
واستمرت في البكاء قائلة: "حين قررت بأن لا أعطيه كوب ماء، قررت بأن أجعله يعيش أكثر".
ستبقى الأم مدرسة..
ولكن ليس للأم فقط، ففي معظم الأحيان، ينتابنا شعور الوقاحة حين نكتشف بأننا حكمنا على فلان دون أن نترك له المجال في التعبير أو التبرير عن موقفه. والغرابة في الموقف بأننا نشعر بعض الأوقات بأننا لا نهتم على ما هي مبررات الشخص أو أعذاره إلا حين إدراكها.
عزيزي القارئ، من المهم أن نفهم نية وراء عمل شخص ما قبل أن نرميه بأسهم حكمنا وآرائنا.. يجب علينا أن نفهم "لماذا" قبل "ماذا".
فالأبيض والأسود ليس من الضروري أن يقابلها الصح والغلط، حيث بعض المواقف الصحيحة قد تكون خاطئة إذا رأيناها من زاوية أخرى بينما المواقف الخاطئة قد تكون صحيحة كذلك من زاوية أخرى.
فقصة الراهب هي خير الأمثلة.. صراخ أمه القوي كان في قمة الصواب، لأنها إن لم تفعل، لكان لأباه أن يفقد حركته بشكل أسرع.. نهاية سريعة لحياته..
النضج هو حين نعلم متى يجب علينا أن نصرخ في وجه أحد بزاوية صحيحة، وخصوصًا أتجاه الأشخاص الذين نحبهم..
بسهولة.. الخير، هو ما يهمني ويهمنا أكثر..
تحياتي٬٬
أسامة السيفي
سناب، إنستا، تويتر: UsamaSaifi
Comments